شعار قسم ميدان

19 انتصارا وعودة من بعيد.. لماذا لا ينال غوارديولا المديح الذي يستحقه؟

تخيَّل معنا للحظة أن الوضع كان معكوسا؛ سيتي بدأ بداية نارية بعد إضافة دياش وتورّيس وآكي لصفوفه، قابلها بداية متواضعة لليفربول، ثم ضربت الإصابات صفوف سيتي غوارديولا وعاد كلوب من بعيد ليتصدر الدوري بالفارق ذاته. هل كان غوارديولا ليحظى بمعاملة كلوب نفسها الآن؟ هل كان لينال أي تعاطف بعد تدمير فريقه بسبب الإصابات؟

 

عنوان ميدان

لا يمكننا القول إن تجربة غوارديولا في سيتي حظيت برُبع التعاطف والحماس الذي حظيت به تجربة كلوب في ليفربول عند أي لحظة من اللحظات. في الواقع، إجابة السؤال الماضي بديهية للغاية: لا.

 

الدليل على ذلك ليس مجرد استنتاج أو مؤشر؛ ففي هذا الموسم، فقد غوارديولا مهاجمه الأساسي خلال 17 مباراة كاملة، والاحتياطي خلال 12 مباراة، وآكي، مدافعه الجديد، لـ 20 مباراة قابلة للزيادة، بالإضافة إلى غياب دي بروينه لما يزيد على الشهر فاته خلاله 9 مباريات، وظهيره الأيسر ميندي لـ 10 مباريات، وبديله زينشنكو لـ 12 مباراة، ونجمه الأبرز هذا الموسم غوندوغان لـ 8 مباريات، وبرناردو سيلفا وجواو كانسيلو وإيريك غارسيا وجون ستونز وآيمريك لابورت لما لا يقل عن 5 مباريات لكلٍّ منهم. من فضلك لاحظ أن كل ما سبق حدث في 5 أشهر ونصف فقط وليس في موسم كامل! (1) – (12)

 

رغم ذلك لم ينتبه أحد أساسا لحقيقة أن سيتي عانى من غيابات ضخمة وطويلة بسبب الإصابات، وأن غوارديولا لعب أغلب مبارياته هذا الموسم بلا مهاجم حقيقي في الملعب أو على الدكة، وأن الإصابات ضربت مراكز بعينها أكثر من مرة.

Real Madrid v Manchester City: UEFA Champions League- - MADRID, SPAIN - FEBRUARY 26: Head coach of Manchester City Pep Guardiola looks on during the UEFA Champions League round of 16 first leg soccer match between Real Madrid and Manchester City at Santiago Bernabeu in Madrid, Spain on February 26, 2020.

لا يمكن لعاقل أن يتوقع أن يكون لإصابات سيتي الأثر ذاته في ليفربول، ولكنه جانب لا يُقدَّر في موسم سيتي الحالي بما يكفي. صحيح أن ليفربول عانى من موجة الإصابات الأعنف على الإطلاق، ولكن غيابات سيتي لم تكن هيّنة أبدا كذلك.

 

الحقيقة أن تلك الظاهرة المتكررة لها تفسيران؛ الأول هو أن ماكينة غوارديولا الضخمة في سيتي نادرا ما تتأثر بغياب لاعب بعينه، وعبر 4 مواسم ونصف لم نشاهد سيتي يتأثر بإصابة لاعب مثلما تأثر بإصابة لابورت، وحتى هذه تمت المبالغة في حجمها لأن سيتي كان يمر بفترة سيئة من انعدام الدوافع والتكاسل وفقدان الرغبة والحافز بعد موسمين جمع خلالهما 198 نقطة. (13)

 

والسبب في ذلك أن الفوارق بين لاعبي السيتي ليست بهذه الضخامة. سيتي لا يملك مدافعا بكفاءة فان دايك، أو مهاجما بروعة صلاح، أو ظهيرا بشراسة روبرتسون، ولا حتى حارسا بجودة أليسون، ولكن في الوقت ذاته، تتضمن دكة بدلائه أسماء أفضل بكثير من شاكيري وفيليبس وتسيميكاس وأوريغي.

 

السبب الثاني هو أن ما يحدث حاليا هو إحدى الفوائد التي نتجت عن تبديلات غوارديولا اللا نهائية في مراكز اللاعبين وتشكيلات المباريات وخطط اللعب. ليفربول كلوب نادرا ما غيَّر من شكله منذ رحيل كوتينيو، سيتي غوارديولا كان على العكس من ذلك، والنتيجة أنه صار يمتلك عددا كبيرا من الأسماء التي يمكنها اللعب في أكثر من مركز دون الإخلال بتوازن الفريق؛ برناردو ودي بروينه وكانسيلو ومحرز وفودين وسترلنغ وزينشنكو وغوندوغان. القائمة طويلة فعلا. (14) (15)

 

عنوان ميدان

 

MANCHESTER, ENGLAND - NOVEMBER 08: Pep Guardiola, Manager of Manchester City gives his team instructions during the Premier League match between Manchester City and Liverpool at Etihad Stadium on November 08, 2020 in Manchester, England. Sporting stadiums around the UK remain under strict restrictions due to the Coronavirus Pandemic as Government social distancing laws prohibit fans inside venues resulting in games being played behind closed doors. (Photo by Shaun Botterill/Getty Images)

الإجابة بسيطة ولا بد أنك سمعتها من قبل مليون مرة. غوارديولا لم ينل، ولن ينال، التعاطف أو المديح نفسه أبدا لأنه عبث بقوانين اللعبة، لأنه حوّلها إلى ما يشبه ألعاب الفيديو، متميزا عن باقي المدربين بامتلاكه خزينة لا تنضب أبدا.

 

صحيح أن مسيرة الرجل في برشلونة وبايرن ميونيخ قد افتُريَ عليها بما ليس فيها، وصحيح أنه يعاني من ازدواجية معايير منتقديه، وصحيح أن المقولة التي تؤكد أنه "استلم فريقا جاهزا في برشلونة وآخر في ميونيخ" قد تكون أغبى ما قيل في وصف الرجل، وتُعبِّر عن جهل قائليها وانعدام درايتهم بالتجربتين، ولكنْ صحيح أيضا أن أكثر ما فعله في سيتي أتى ليؤكد هذه السمعة، السمعة التي لم تكن صحيحة أبدا حتى وطئت قدماه أرض مانشستر.

 

مشكلة غوارديولا الحقيقية في سيتي ليست في حجم الإنفاق وحده، فعندما أتى مورينيو إلى إنجلترا دخل تشيلسي في نوبة إنفاق هيستيرية مشابهة، كانت صفقاتها الفاشلة أكثر بكثير من الناجحة، والأهم أنها لم تكن متناسبة إطلاقا مع أسعار السوق وقتها، ففي الزمن الذي كان ينفق فيه كلٌّ من فيرغسون وفينغر مجتمعين 135 مليون باوند في 5 سنوات، كان مورينيو ينفق ضعفها في موسمه الأول فقط. هذه درجة من الإنفاق تضمن النجاح بلا شك. (16) (17) (18)

 

مشكلة غوارديولا الحقيقية هي الإحساس العام بأن الرجل لا يُحاسب على أخطائه؛ يتعاقد مع ستونز مقابل 50 مليون باوند فيفشل، ثم لا تجد إدارة السيتي حرجا من منحه 45 مليون أخرى لآكي، و65 لدياش، وقبلهما 67 للابورت، ومثلها لمحرز الذي لم يستفد منه غوارديولا بما يعادلها أبدا، ناهيك بـ 55 أخرى لميندي، و40 لإيديرسون الذي لم يُثبت أبدا أنه حارس كبير فعلا.

 

وكأن الجميع يلعب اللعبة نفسها ولكن غوارديولا يملك كلمة السر التي تمنح شخصيته قدرات إلهية؛ لا يموت، ويمكنه قتل خصومه بضربة واحدة، ويملك مخزونا لا نهائيا من المال والعتاد.

MANCHESTER, ENGLAND - JANUARY 06: Pep Guardiola, Manager of Manchester City celebrates with Phil Foden of Manchester City after the final whistle during the Carabao Cup Semi Final match between Manchester United and Manchester City at Old Trafford on January 06, 2021 in Manchester, England. The match will be played without fans, behind closed doors as a Covid-19 precaution. (Photo by Shaun Botterill/Getty Images)

في علم الاجتماع يسمّونها "النبوءات ذاتية التحقق" (Self-Fulfilling Prophecies)، وهي ما يحدث عندما يُكوِّن الناس انطباعا خاطئا عن شخص ما، ولكن مع مرور الوقت، يتصرّف هذا الشخص بما يؤكد هذا الانطباع، رغم أنه لم يكن صحيحا لحظة نشوئه. ربما يتصرف بهذه الطريقة لأنه يُدرك أن هذه السمعة ستظل تُلاحقه مهما فعل، أو ربما لأن الظروف تغيّرت، أو ربما لأن هذه كانت خطته من البداية، ولكن المثال الأشهر على هذه الظاهرة هو ما يحدث عندما يُكوِّن الجمهور انطباعا متسرعا عن لاعب ما بأنه مستهتر بسبب لقطة منفردة مثلا، ثم يتمسك بهذا الانطباع رغم كل الشواهد التي تنفيه، ثم يبدأ اللاعب نفسه في تصديق هذه الأقاويل ومع الوقت يتصرف باستهتار فعلا. (19)

 

الأمر بسيط فعلا، والتعاطف مع غوارديولا أو الاعتراف بما أنجزه صعب فعلا، ببساطة لأنه يلعب لعبة خطرة؛ الإنفاق الضخم يزيد الضغوطات وحجم التوقعات، وبمجرد حدوث ذلك ينتهي الأمر بنتيجة من اثنتين؛ إما نجاح سهل، وإما فشل كارثي.

 

لا يوجد احتمال ثالث هنا، عندما تُنفق ما يقارب 400 مليون يورو على خط دفاعك فقط فلا يُمكنك أن تتوقع المديح عندما تحصل على البريميرليغ، وحتى لو كان بـ100 نقطة وأداء استثنائي وأطنان من الأهداف في مرمى خصومك.

 

عنوان ميدان

الأمر بسيط فعلا، ولكن ما يجعله معقدا في بعض الأحيان هو أن الرجل لم يتوقف عن إبهارنا أبدا رغم كل ما سبق. فلنأخذ الموسم الحالي مثالا؛ غوندوغان النجم وهدّاف الدوريات الخمس الكبرى في 2021 هو لاعب لم يكن أحد يرغب في التعاقد معه في 2016، خاصة بعد إصابتين طويلتين وزيادة في الوزن وتخوفات من تجدُّد الإصابة، وهو ما حدث فعلا بمجرد انضمامه ليغيب موسما إضافيا.

 

فودين المتوهج بشدة منذ نهاية الموسم الماضي هو لاعب أكاديمية لم يُكلِّف خزينة السيتي مليما. زينشنكو الذي يؤدي في مركز الظهير الأيسر أفضل من أفضل نسخ ميندي هو صانع ألعاب بالأساس تعاقد معه النادي من يوفا الروسي مقابل مليونَيْ باوند. تورّيس الذي يلعب دورا حاسما كلما شارك لم يُكلِّف أكثر من 20 مليون يورو. إيريك غارسيا الذي كان ليُعفي سيتي من إنفاق 45 مليون إضافية على آكي هو لاعب التقطوه من أكاديمية برشلونة مقابل 1.7 مليون يورو فقط.

 

تلك الفقرة السابقة هي الدليل الحقيقي على أن جودة اللاعبين لا تُقدَّر بالمال دائما. غوارديولا أنفق الكثير من الأموال على لاعبين لم يُفيدوه بما يكفي، واستفاد من آخرين لم يُنفق لأجلهم جنيها واحدا.

 

ببساطة، غوارديولا قادر على صناعة نجوم حقيقيين من شباب واعدين، وأحيانا من شباب مغمورين، قادر على التطور والابتكار والتجديد، وقادر على إثارة حوافز فريقه ودفعهم لأفضل أداء ممكن. كل ذلك أثبته الرجل أكثر من مرة، ولكن كل ذلك ظل حبيس سردية الأموال ورهينة لها، ببساطة لأن غوارديولا هو مَن غذّى هذه السردية ومنحها الأرضية، ببساطة لأنه لم يمنح نفسه فرصة كافية للتجربة واستجاب للضغوطات التي طالبته بالألقاب من أول يوم.

 

البعض يرد بأن الانتقادات لكمِّ الإنفاق في سيتي صارت قديمة، ولم تَعُد صالحة للاستخدام طوال الوقت ولتفسير أي إنجاز، وهذا صحيح تماما؛ برشلونة وريال مدريد ويوفنتوس وحتى يونايتد أدلة كافية على أن حتى مئات الملايين تحتاج إلى عقل ليُديرها، ولكن في الوقت ذاته، لا يمكننا تجاهل الأفضلية التي يحظى بها غوارديولا على باقي مدربي العالم لمجرد أن الناس سئمت سماع العبارة نفسها، بل الأَوْلى أن يسأم الخصوم من كون الحل الوحيد لأي مشكلة في سيتي هو المزيد من الإنفاق!

 

لسنوات كان غوارديولا يعاني من ظلم منتقديه، من نسفهم لأي إنجاز حققه، ونسب الفضل للاعبين والظروف والتحكيم وغيرها من العوامل التي تلعب دورا في نجاح أي فريق وليس فِرَق غوارديولا وحسب، ولكن بطريقة ما فشل غوارديولا تماما في التعامل مع هذه الانتقادات، وقضى سنواته الأخيرة في إثبات صحتها.

MANCHESTER, ENGLAND - DECEMBER 15: Pep Guardiola, Manager of Manchester City argues with fourth official Anthony Taylor during the Premier League match between Manchester City and West Bromwich Albion at Etihad Stadium on December 15, 2020 in Manchester, England. The match will be played without fans, behind closed doors as a Covid-19 precaution. (Photo by Martin Rickett - Pool/Getty Images)

تلك المتوالية أدخلته في دائرة مُفرغة؛ غوارديولا سيفوز بالبريميرليغ هذا الموسم، ولن ينال أي مديح أو إشادة تُذكر، بالتالي سيستمر على النهج نفسه ولن يعبأ بإحصائيات الإنفاق وموجات النقد والامتعاض بين جماهير الخصوم وصحف إنجلترا، لأنه يؤمن أنها لن ترحمه حتى ولو كان صافي إنفاقه بالسالب، وهكذا دواليك.

 

حقيقة، نحن لا نعلم أي مرتبة تقع فيها تجربة سيتي بين كل تجاربه. في مانشستر تحوَّل غوارديولا إلى مدرب أنضج، أكثر مرونة وقدرة على التكيُّف، ولكننا ننتظر تجربته القادمة بفارغ الصبر، عسى أن يضطر للعمل في ظروف أكثر صعوبة تجعلها أكثر إثارة، تجربة بلا كلمات سر.

——————————————————

المصادر

  1. إصابات أغويرو هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  2. إصابات غابرييل جيسوس هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  3.  إصابات برناردو سيلفا هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  4.  إصابات كيفين دي بروينه هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  5. إصابات غوندوغان هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  6. إصابات كانسيلو هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  7.  إصابات زينشنكو هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  8. إصابات ميندي هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  9. إصابات إيريك غارسيا هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  10. إصابات جون ستونز هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  11. إصابات نيثان آكي هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  12. إصابات آيمريك لابورت هذا الموسم – ترانسفير ماركت
  13. كيف يمكن لسيتي التعامل مع إصابة لابورت؟ – سكاي
  14. تقييم الخطط الثمانية التي لعب بها غوارديولا – سكاي
  15. غوارديولا هو المدرب الأكثر تغييرا على تشكيلته الأساسية بـ 38 مرة إضافية عن المتصدر تشيلسي – ديلي ميل
  16. كل انتقالات أرسنال – ترانسفير ماركت
  17. كل انتقالات مانشستر يونايتد – ترانسفير ماركت
  18. كل انتقالات تشيلسي – ترانسفير ماركت
  19. النبوءات ذاتية التحقق – بريتانيكا
المصدر : الجزيرة