مصر وإثيوبيا تتسابقان على استقطاب تأييد بايدن لحل أزمة سد النهضة

منذ وصول بايدن للحكم في 20 من الشهر الماضي، لم يتطرق أي من أعضاء إدارته إلى أزمة سد النهضة، ولا يُعرف بعد كيف سيتم تناولها، وإن رجح المعلقون أن يتبنى موقفا محايدا.

Water flows through Ethiopia's Grand Renaissance Dam as it undergoes construction work on the river Nile in Guba Woreda
إثيوبيا تواصل ملء سد النهضة (رويترز)

مع تفاقم أزمة بناء وملء وتشغيل سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، ضاعفت القاهرة وأديس أبابا جهودهما في واشنطن لدفع إدارة الرئيس جو بايدن للوقوف في صف كل منهما.

ولجأت الدولتان للترويج للرواية الرسمية التي تتبناها كل دولة تجاه الأزمة وسط الدوائر الأميركية، واستعانت الدولتان بعدد من شركات الضغط والعلاقات العامة لتلميع صورتها ودفْع أركان الإدارة الأميركية وأعضاء الكونغرس لتفهم موقفها.

وكشفت وثائق وزارة العدل -التي اطلعت عليها الجزيرة نت- عن استعانة إثيوبيا بشركة ضغط جديدة للتواصل مع الكونغرس وإدارة بايدن، في الوقت الذي تخوض فيه البلاد أزمة دبلوماسية مع مصر حول السد.

ووقعت السفارة الإثيوبية في واشنطن عقدا قيمته 35 ألف دولار شهريا مع شركة "فينابل" (Venable) للاستشارات القانونية مطلع الشهر الجاري، ولمدة مبدئية تقدر بـ3 أشهر، مع إمكانية تمديده.

وطبقا لبنود العقد، ستقدم الشركة الأميركية "خدمة العلاقات الحكومية التي قد تشمل الاتصال مع أعضاء الكونغرس، والوزارات وإدارة بايدن"، وسيشرف عليه المحامي توماس كوين والمستشار السياسي لورين آهو.

ويأتي هذا التعاقد الجديد في الوقت الذي تتعرض فيه إثيوبيا لضغوط متزايدة في واشنطن على عدة جبهات؛ بداية من أزمة سد النهضة ووصولا للتوترات الداخلية التي تشهدها في أقاليمها الشرقية.

ولم يكن تعاقد إثيوبيا الأخير هو الأول من نوعه، فقد سبق أن وقعت حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عقدا مع شركة "بارنز أند ثورنبورغ" مقابل 130 ألف دولار شهريا خلال الفترة من 30 يونيو/حزيران إلى 30 سبتمبر/أيلول الماضيين.

وكشفت وثائق وزارة العدل عن تركيز شركة "بارنز أند ثورنبرغ" حصرا على قضية سد النهضة من خلال اتصالاتها بعدة مكاتب في الكونغرس، فضلا عن مسؤولين في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة، وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قد ترك وزارة الخزانة الأميركية لتدير التفاوض حول أزمة السد.

ونجحت إثيوبيا في جذب أعضاء مجلسي الكونغرس من ذوي الأصل الأفريقي إلى جانبها.

وصدر بيان عن تجمع الأعضاء ذوي الأصل الأفريقي في 23 يونيو/حزيران الماضي جاء فيه أن "تجمع السود" (Black Caucus) في الكونغرس يحث الولايات المتحدة وجميع الجهات الدولية الفاعلة الأخرى على احترام الاتفاقية الثلاثية لإعلان المبادئ لعام 2015 الموقعة بين مصر والسودان وإثيوبيا، والاستمرار في لعب دور محايد، والسعي فقط إلى الحصول على المشورة من الاتحاد الأفريقي والدبلوماسيين على الأرض في المنطقة".

وأكد البيان دور الاتحاد الأفريقي المحوري في المفاوضات المتعلقة بأزمة سد النهضة، وهو ما مثل ضربة لمحاولات إدارة ترامب لتهميش دور الاتحاد الأفريقي.

وتروج إثيوبيا في الدوائر الأميركية بأن مشروع بناء السد هو عمل تنموي تنتج عنه الطاقة الكهربائية اللازمة لإنارة منازل ملايين الإثيوبيين الذين لم تدخل الكهرباء إلى قراهم بعد، وأن السد يشكل أولوية حيوية للتنمية.

وتواجه صورة إثيوبيا في العاصمة الأميركية أزمة كبيرة بسبب التوترات العرقية في منطقة تيغراي الشمالية، التي وقع فيها صراع مسلح.

وحذر جيك سوليفان قبل أن يصبح مستشارا للأمن القومي للرئيس بايدن، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من "جرائم حرب محتملة"، وحث الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي على بدء مفاوضات يشرف عليها الاتحاد الأفريقي.

Members of Ethiopian National Defense Force head to mission, in Sanja
عناصر من الجيش الإثيوبي على الجبهة بعد قتالهم ضد متمردين في إقليم تيغراي (رويترز)

تعاقدات مصرية

وسبقت مصر إثيوبيا للتعاقد مع شركات ضغط جديدة استباقا لوصول بايدن للحكم، وتضغط مصر في محاولة لإقناع إدارته بأن تحذو حذو إدارة ترامب في مساندة الموقف المصري.

وعقب هزيمة ترامب في الانتخابات، تحركت السفارة المصرية في واشنطن بسرعة لتوقع عقدا مع شركة "براونشتاين حياة فاربر" لمدة عام، بقيمة 65 ألف دولار شهريا.

وكانت القاهرة حاولت استغلال العلاقات الخاصة التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي بترامب، حيث جمع ترامب أطراف النزاع في البيت الأبيض، إلا أن جهوده باءت بالفشل، ودفعه ذلك إلى تعليق بعض المساعدات لإثيوبيا في سبتمبر/أيلول الماضي.

ويدير الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية إد رويس الملف المصري في الشركة، ويضم فريقه السيناتور السابق عن ولاية آلاسكا مارك بيغيش، ونديم الشامي الرئيس السابق لموظفي رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

واطلعت الجزيرة نت على رسالة إلكترونية أرسلها رويس لعدد من أعضاء مجلس النواب ومساعديهم، تحثهم على المشاركة عن بُعد في ندوة نظمتها السفارة المصرية بواشنطن حول أزمة سد النهضة ومياه النيل مطلع الشهر الجاري.

وجاء في رسالة رويس "كما تعلمون، توقفت المفاوضات المحيطة بسد النهضة الإثيوبي، ومن دون اتفاق قابل للتنفيذ ستكون لعمليات بناء السد تداعيات بيئية كبيرة، سواء بالنسبة لسكان مصر والسودان أو على النظم الإيكولوجية الإقليمية لنهر النيل".

وشارك في الندوة عدد من أعضاء فريق التفاوض المصري لملف سد النهضة، من بينهم أستاذ الري والهيدروليكا بجامعة القاهرة هشام بخيت، والأستاذ المساعد في القانون بجامعة أوهايو محمد هلال، الذي يعمل مستشارا لوزير الخارجية المصري.

وتقوم الشركة "بتقديم خدمات العلاقات الحكومية والمشورة الإستراتيجية بشأن المسائل المعروضة على الحكومة الأميركية"، وفقا لما جاء في العقد الموثق بموقع وزارة العدل الأميركية.

FILE - In this Sept. 8, 2015, file photo, Rep. Ed Royce, R-Calif., speaks on Capitol Hill in Washington. A senior United Arab Emirates official has told Royce that it too might seek the right to enrich uranium that Iran has asserted under the recently signed nuclear deal. In barely noticed testimony last month Royce, the chairman of the House Foreign Affairs Committee said the UAE’s ambassador in Washington told him in a phone call that his country no longer felt bound by its nuclear energy agreement with the United States. (AP Photo/Molly Riley, File)
إد رويس يدير الملف المصري في شركة "براونشتاين حياة فاربر" (أسوشيتد برس)

موقف بايدن

خلال حكم ترامب، نجحت ضغوط القاهرة في إصدار بيان رسمي أميركي نادى بضرورة التوصل لاتفاق بين الأطراف المعنية قبل ملء خزانات السد.

وجاءت المفاوضات التي أجريت بإشراف أميركي وبمشاركة البنك الدولي نتيجة دعوة مصرية، إلا أنها وصلت لطريق مسدود بعد رفض إثيوبيا المبادرة الأميركية التي قدمتها للأطراف بشأن قواعد تتعلق بفترة ملء السد وطريقة تشغيله.

ومنذ وصول بايدن للحكم في 20 من الشهر الماضي، لم يتطرق أي من أعضاء إدارته إلى أزمة سد النهضة، ولا يُعرف بعد كيف سيتم تناولها، وإن رجح المعلقون أن يتبنى موقفا محايدا.

وتجمع واشنطن علاقات طيبة بمصر وإثيوبيا، رغم الصورة السلبية بسبب سجلاتهما السيئة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والممارسات غير الديمقراطية.

وتعد إثيوبيا حليفا قويا لواشنطن في شرق أفريقيا، وأشارت دراسة لخدمة أبحاث الكونغرس إلى أن "إثيوبيا تلعب دورا مهما في مواجهة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له في منطقة القرن الأفريقي".

وتعتمد إثيوبيا في الترويج لموقفها على البعد الإنساني الذي تدعمه تقارير رسمية صادرة عن البنك الدولي، والتي تشير إلى حاجة إثيوبيا الماسة للطاقة الكهربائية.

وفي الوقت ذاته، ترتبط القاهرة بعلاقات مهمة مع واشنطن نتيجة سياساتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لذلك، قد لا يكون هناك بديل عن توسط واشنطن بين الطرفين بصورة تتجنب معها سلبيات وساطة ترامب.

المصدر : الجزيرة